فصل: خوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 ختلان

مدينة بأرض الترك مشهورة‏.‏حكي أن بها شعباً بين جبلين قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ يأتي في كل سنة ثلاثة أيام من ذلك الشعب في وقت معلوم صيد كثير فإذا كانت تلك الأيام تمتليء دورهم وسطوحهم من الصيد ثم ينقطع إلى سنة أخرى هكذا ذكره‏.‏

ويجلب منها خيل هماليج ليس في شيء من النواحي مثلها‏.‏

 خلاط

مدينة كبيرة مشهورة قصبة بلاد أرمينية ذات خيرات واسعة وثمرات يانعة بها المياه الغزيرة والأشجار الكثيرة‏.‏

وأهلها مسلمون ونصارى‏.‏

وكلام أهلها العجمية والأرمنية والتركية‏.‏

ذات سور حصين قصدها الكرج في زمن الملك الكامل الأوحد ونزلوا عليها يحاصرونها وكان خارج المدينة نهر عليه قنطرة فأهل خلاط نقضوها وستروها بشيء من الحشيش ليقع فيها من يجتاز عليها من الكرج وجلسوا تحت القنطرة منتظرين لمن يقع فيها حتى يأخذوه‏.‏

وكان لملك الكرج ويقال له الإيواني منجم فاضل جربه مراراً كان ذا حكم صحيح قال للإيواني‏:‏ اركب الآن وحارب فإنك في آخر النهار تكون جالساً على سرير خلاط‏.‏

فقام وركب وهو سكران فأول من اجتاز في القنطرة كان الإيواني وقع في القنطرة‏.‏

اجتمعوا عليه وأخذوه قال‏:‏ لا تقتلوني فإني أنا الإيواني فحملوه إلى خلاط وأجلسوه على السرير فقال لهم‏:‏ إن كنتم تخلصونني فافعلوا سريعاً قبل أن يمشي الخبر إلى الكرج ويقيموا مقامي أحداً ولكم كل ما سألتم‏.‏

فطلبوا منه فك أسارى المسلمين كلهم ومالاً عظيماً عمروا به سور خلاط وعاهدوا بالمهادنة سنين كثيرة وخلصوه‏.‏

ومن عجائبها بحيرتها التي يجلب منها السمك الطريخ إلى جميع البلاد قال ابن الكلبي‏:‏ بحيرة خلاط من عجائب الدنيا فإنها عشرة أشهر لا ترى فيها سمكة ولا ضفدعة وشهران في السنة تكثر بها حتى تقبض باليد وتحمل إلى سائر البلاد حتى إلى بلاد الهند قيل‏:‏ إنه لطلسم عمله بليناس الحكيم لقباذ الملك وأما أهل خلاط فالفسق عندهم ظاهر وصناعها يعملون أقفالاً ما في شيء من البلاد مثلها‏.‏ناحية مشهورة ذات مدن وقرى كثيرة وسيعة الرقعة فسيحة البقعة جامعة لأشتات الخيرات وأنواع المسرات قال جار الله الزمخشري‏:‏ بخوارزم فضائل لا توجد في غيرها من سائر الأقطار وخصال محمودة لا تتفق في غيرها من الأمصار قد اكتنفها أهل الشرك وأطافت بها قبائل الترك فغزو أهلها معهم دائم والقتال فيما بينهم قائم وقد أخلصوا في ذلك نياتهم وأمحضوا فيه طوياتهم وقد تكفل الله بنصرهم في عامة الأوقات ومنحهم الغلبة في جميع الوقعات وقد خصها بجيحون واد عسر المعبر بعيد المسالك غزير الماء كثير المهالك‏.‏

وأهلها أصحاب قلوب جرية ونفوس أبية ولهم السداد والديانة والوفاء والأمانة ودينهم محبة الأخيار ومقت الأشرار والإحسان إلى الغرباء والتعطف على الضعفاء‏.‏

ومما اختصت به خوارزم أنواع الرقيق الروقة والخيل الهماليج الفرهة وضروب الضواري من البزاة والصقور وأجناس الوبر وألوان الثياب وثمارها أطيب الثمار وأشهاها وألذها وأحلاها وأنماها وأمراها وهواؤها أصح هواء وماؤها أعذب ماء وناهيك ببطيخها الذي لا يوجد مثله‏.‏

انتهى كلام الزمخشري‏.‏

بها نهر جيحون قال الأعمود‏:‏ نهر جيحون يعرف بجريان يخرج من حدود بذخشان وينضم إليها أنهار في حدود الختل ووحش فتصير نهراً عظيماً وترتفع إليها أنهار البتم وأنهار صغانيان وماء وحشاب الذي يخرج من بلاد الترك ويصير في أرض وحش في جبل هناك يعبر قنطرة ولا يعلم في الدنيا ماء في كثرته يضيق مثل ضيقه في هذا الموضع وهذه القنطرة هي الحد بين الختل وواشجرد ثم يمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم ولا ينتفع شيء من البلاد إلا خوارزم فإنها تستقل عنه ثم ينحدر عن خوارزم وينصب في بحيرة تسمى بحيرة خوارزم بينها وبين خوارزم ستة أيام‏.‏

وحكي أن جيحون مع كثرة مائه يجمد في الشتاء وكيفية جموده أنه إذا اشتد البرد وقوي كلبه جمد أولاً قطعاً ثم تسري تلك القطع على وجه الماء وكلما ماست قطعة من تلك القطاع أخرى التصقت بها ولا تزال تنضم حتى صار جيحون كله سطحاً واحداً ثم يثخن ويصير ثخنه في أكثر الأوقات خمسة أشبار قال ابن فضلان في رسالته‏:‏ رأيت جيحون وقد جمد سبعة عشر شبراً‏.‏

والله أعلم بصحته‏.‏

ثم يبقى باقي الماء تحته جارياً فيحفر أهل خوارزم فيه آباراً بالمعاول حتى يخرقوه إلى الماء ثم يسقون منها كما يسقى من البئر لشربهم ويحملونه في الجرار وإذا استحكم جمود هذا النهر عبرت عليه القوافل والعجل الموقرة بالبقر ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ويتظاهر عليه الغبار كما يكون في البوادي ويبقى على ذلك نحو شهرين‏.‏

فإذا انكسرت سورة البرد عاد ينقطع قطعاً كما بدا في أول أمره إلى أن يعود إلى حاله الأولى‏.‏وبها جبل على ثمانية فراسخ من المدينة قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ هذا الجبل فيه شعب كبير وفي الشعب تل عال وعلى التل شبه مسجد عليه قبة له أربعة أبواب آزاج كبار ويتراءى للناظر كأن بنيان ذلك المسجد من الذهب ظاهره وباطنه وحوله ماء محيط بالتل راكه لا مادة له إلا من ماء المطر والثلج زمان الشتاء‏.‏

وإن ذلك الماء ينقص ويزيد ذراعاً في الصيف والشتاء في رؤية العين‏.‏

والماء ماء عفن نتن عليه طحلب لا يستطيع أحد أن يخوضه ومن دخل في ذلك استلبه الماء ولا يظهر أثره البتة ولا يدرى أين ذهب‏.‏

وعرض الماء مقدار مائة ذراع‏.‏

وحكي أن السلطان محمود بن سبكتكين وصل إلى هذا الموضع وأقام به زماناً وألقى يه الزوارق فغاصت فيه فأمر السلطان جميع عساكره بحمل التراب والخشب ونفضها في ذلك الماء فكل شيء ألقي فيه غاص ولم يظهر له أثر‏.‏

وقالوا‏:‏ إن ذلك الماء إذا وقع فيه حيوان لم يقدر أحد على إخراجه البتة وان كان مشدوداً بالجبال وجره الرجال‏.‏

وكل من سافر من خوارزم في طريق سخسين يرى ذلك الماء في طريقه ولا حيلة في ذلك إلا ما شاء الله وانه من عجائب الدنيا‏.‏

وبقرب خوارزم على ست مراحل منها بحيرة تستمد من جيحون‏.‏

يخرج منها حجر على صورة البطيخ يعرف بالحجر اليهودي‏.‏

لهذا الحجر فوائد كثيرة ذكرت في كتاب الخواص وأشهرها ما يستعمله الأطباء لوجع الحصاة في المثانة نعوذ بالله منه وهو نوعان‏:‏ ذكر وأنثى فالذكر للرجال والأنثى للنساء‏.‏

 خوي

مدينة معمورة من مدن آذربيجان ذات سور حصين ومياه وأشجار كثيرة الخيرات وافرة الغلات كثيرة الأهل‏.‏

وأهلها أهل السنة والجماعات على مذهب واحد ليس بينهم اختلاف المذاهب‏.‏

يعمل بها الديباج الذي يسمونه الجولخ‏.‏

بها عين كنكلة حدثني بعض فقهاء خوي أن هذه العين ينبع منها ماء كثير جداً بارد في الصيف حار في الشتاء‏.‏

ينسب إليها القاضي شمس الدين الخوي‏.‏

كان عالماً فاضلاً ذا فنون من العلم شرعياته وعقلياته ذا تصانيف حسنة‏.‏

فلما كان هجوم التتر هرب من خراسان وذهب إلى الشام وما عرفوا قدره رتبوه معيداً في مدرسة دمشق‏.‏

حكي أن ابن الجوزي بعث رسولاً إلى الملك المعظم من دار الخلافة فلما وصل إلى دمشق التمس أن يستدل بين يدي الملك المعظم وكان الملك فقيهاً حنفياً فجمع له أعيان دمشق وكان ابن الجوزي واعظاً فصيحاً قادراً على الكلام وما كان في القوم من يناقش بالمنوع الدقيقة‏.‏

فلما قام قال‏:‏ هذه مدينة حسنة ليس فيها فقيه‏!‏ فتأذى الملك المعظم من ذلك وقال‏:‏ ان هذا يعتقد انه قال شيئاً‏!‏ فقالوا له‏:‏ ههنا فقيه عجمي جمع بينهما وتفرج عليهما‏.‏

فلما حضر ابن الجوزي طلبوا شمس الدين فأراد تمشية مقدمة معه فما قدر ثم ان شمس الدين أخذ مقدماته وقلبها عليه ثم عارضه في المقدمات وفي الحكم حتى جعله مبهوتاً‏.‏

فقال ابن الجوزي‏:‏ هذا الفقيه في أي شيء شغل قالوا‏:‏ ما هو في شيء من الأشغال‏.‏

فقال‏:‏ مثل هذا يترك عاطلاً فولاه قضاء دمشق وتدريس العادلية‏.‏

توفي قريباً من أربعين وستمائة شاباً رحمة الله عليه‏.‏

 خيوق

قرية من قرى خوارزم‏.‏ينسب إليها الشيخ الإمام قدوة المشايخ أبو الجناب أحمد بن عمر بن محمد الخيوقي المعروف بكبرى‏.‏

كان أستاذ الوقت وشيخ الطائفة وفريد العصر‏.‏

له رسالة الهائم من لومة اللائم من حقها أن تكتب بالذهب ما صنف مثلها في الطريقة‏.‏

ومن عجائبها ما ذكر أن للشيطان لطائف عجيبة في اضلال الناس فيضل كل واحد حسبما يليق بحاله‏:‏ أما الجهال فيضلهم بجهلهم وأما العلماء فيقول اشتغل بتحصيل العلوم أما عرفت قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد فاصرف عمرك في تحصيل العلوم فإذا كان آخر عمرك اشتغل بالعمل فيأتيه الموت يعبه فجأة فيكون له علم بلا عمل‏.‏

وحكى رحمه الله أنه كان يجاهد نفسه فجاء الشيطان ليوسوس عليه الحال فقال‏:‏ إنك رجل عالم تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم فاشتغل بسمع أحاديث النبي وآثار المشايخ الكبار الحفاظ فإنك إن اشتغلت بمجاهدة النفس فإن عليك إدراك المشايخ الكبار والأستاذ العالي وأما المجاهدة فلا تفوتك فيما بعد‏!‏ فكدت أعمل بوسوسته فهتف بي هاتف‏:‏ ومن يسمع الأخبار من غير واسطٍ حرامٌ عليه سمعها بوسائط‏!‏ فعرفت أن ذلك الخاطر من وساوسه فتركته‏.‏

توفي الشيخ قريباً من سنة عشر وستمائة‏.‏

وينسب إليها الشيخ الفاضل العالم شهاب الدين الخيوقي‏.‏

كان نائب السلطان خوارزمشاه في جميع مملكته والقضاة والمدرسون والمفتون في جميع مملكة السلطان نوابه فإذا دخل مدينة كان المدرسون والقضاة والعلماء يحضرون درسه وكان شافعي المذهب متعصباً لأصحابه وكان من عادته انه إذا دخل مدينة ذهب إليه الفقهاء وقرأوا عليه محفوظهم وكان الشيخ يوليهم الأشغال من كان صالحاً لها‏.‏على قلة جبل ببلاد الروم بقرب ملطية‏.‏

وهذا دير معتبر عند النصارى فإنهم يقولون ان برصوما كان من الحواريين وهو الدير الذي ينادى بطلب نذره في بلاد الروم وديار بكر وربيعة والشام‏.‏

فيه رهبان كثير يؤدون كل عام إلى صاحب الروم عشرة آلاف دينار من نذره‏.‏

حكى العفيف مرجى التاجر الواسطي قال‏:‏ اجتزت بهذا الدير قاصداً بلاد الروم فسمعت كثرة ما ينذرون له وان النذر له لا يخطيء فألقى الله على لساني ان قلت‏:‏ هذا القماش الذي معي مشتراه خمسة آلاف درهم فإن بعته بسبعة آلاف درهم فلبرصوما من خالص مالي خمسون درهماً‏!‏ فدخلت ملطية وبعته بسبعة آلاف درهم فلما رجعت سلمت إلى رهبانه خمسين درهماً وسألته عن برصوما فذكر أنه مسجى على سرير وأن أظافيره تطول كل عام وانهم يقلمونها ويحملونها إلى صاحب الروم مع ما له عليهم من القطيعة‏.‏

الروم بلاد واسعة من أنزه النواحي وأخصبها وأكثرها خيراً وعجائب ذكرت في مواضعها‏.‏

مياهها أعذب المياه وأخفها وهواؤها أصح الأهوية وأطيبها وترابها أطيب الأتربة وأصحها‏.‏

ومن خواصها نتاج الدواب والنعم‏.‏

وليس في شيء من البلاد مثل مائها يحمل منها إلى سائر الآفاق وأهلها مسلمون ونصارى‏.‏

وشتاؤها يضرب المثل به حتى وصفه بعضهم فقال‏:‏ الشتاء بالروم بلاء وعذاب وعناء‏!‏ يغلظ فيها الهواء ويستحجر الماء تذوي الوجوه وتعمش العيون وتسيل الأنوف وتغير الألوان وتقشف الأبدان وتميت كثيراً من الحيوان‏.‏

أرضها كالقوارير اللامعة وهواؤها كالزنابير اللاسعة وليلها يحول بين الكلب وهريره والأسد وزئيره والطير وصفيره والماء وخريره ويتمنى أهلها من البرد الأليم دخول حر الجحيم‏!‏ وبلاد الروم بلاد واسعة ومملكة عظيمة ولبعدها عن بلاد الإسلام وقوة ملكها بقيت على كفرها كما كانت وانه أحد معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال‏:‏ أما فارس فلا نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها‏!‏ وأما الروم فإنها ذات قرون كلما مر قرن يخلفه قرن آخر ‏!‏ وأهل الروم سكان غربي الإقليم الخامس والسادس ولبرد بلادهم ودخولها في الشمال ترى الغالب على ألوانهم البياض وعلى شعورهم الشقرة وعلى أبدانهم الصلابة‏.‏

والغالب على طبعهم مباشرة اللهو والطرب لأن المنجمين زعموا ان الروم تتعلق بالزهرة‏.‏

وحكي أن أهل الروم كانوا لا يملكون إلا من كان أكثرهم عقلاً وأوفرهم علماً وأصحهم بدناً وإذا اختل منه شيء من هذه ملكوا غيره وعزلوه وكانوا على هذا إلى أن أصاب ملكهم آفة فهموا بعزله فقال الملك‏:‏ اصبروا علي زماناً فإن داويت مرضي فأنا أولى من غيري وإلا فافعلوا ما شئتم‏!‏ فذهب إلى بلاد الشام ليتداوى بحمة كانت بها فرأى الملة النصرانية قد ظهرت بها فأخذ جمعاً من القسوس والرهابين ورجع بهم إلى الروم ودعا الناس إلى الملة النصرانية ولم يزل يجيب قوم بعد قوم حتى صاروا أمة واحدة‏.‏

وحكي عن أهل الروم أنهم يتخذون صور الملوك والحكماء والرهابين يستأنسون بها بعد موتهم‏.‏

ولهم في التصوير يد باسطة حتى يصورون صورة الإنسان ضاحكاً وباكياً وصورته مسروراً حزيناً‏.‏

وحكي أن مصوراً دخل بلداً ليلاً ونزل بقوم فضيفوه فلما سكر قال‏:‏ إني صاحب مال ومعي كذا وكذا ديناراً فسقوه حتى طلح وأخذوا ما كان معه وحملوه إلى موضع بعيد منهم‏.‏

فلما أصبح وكان غريباً لم يعرف القوم ولا المكان ذهب إلى والي المدينة وشكا فقال له الوالي‏:‏ هل تعرف القوم قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ هل تعرف المكان قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فكيف السبيل إلى ذلك فقال الرجل‏:‏ إني أصور صورة الرجل وصورة أهله فاعرضها على الناس لعل أحداً يعرفهم‏!‏ ففعل ذلك وعرض الوالي على الناس فقالوا‏:‏ انها صورة فلان الحمامي وأهله‏.‏

فأمر بإحضاره فإذا هو صاحبه فاسترد منه المال‏.‏ويقام بالروم سوق كل سنة أول الربيع أربعين يوماً يقال لذلك السوق بيله يأتيها الناس من الأطراف البعيدة من الشرق والغرب والجنوب والشمال‏.‏

والتجار يجهدون غاية جهدهم حتى يدركوا ذلك السوق فمتاع أهل الشرق يشتريه أهل المغرب وبالعكس ومتاع أهل الشمال يشتريه أهل الجنوب وبالعكس‏.‏

ويقع فيه من المماليك والجواري التركية والرومية ومن الخيل والبغال الحسنة ومن الثياب الأطلس ومن السقلاط ومن الفراء الفندر وكلب الماء والبرطاس ويدلسون تدليسات عجيبة‏.‏

ومن عادة هذا السوق ان من اشترى شيئاً فلا يرده البتة وحكي أن بعض التجار اشترى مملوكاً حسن الصورة بثمن بالغ فلما غاب عنه بائعه وجده جارية مستحسنة‏!‏ وبها الخانات على طرق القوافل على كل فرسخ خان بنتها بنات السلاطين للثواب فإن البرد بالروم ثمانية أشهر والثلج كثير والقفل لا ينقطع في الثلج فيمشون كل يوم فرسخاً وينزلون في خان من الخانات ويكون فيه من الطعام والشعير والتبن والحطب والبزر والاكاف والنعال والمنقل وانها خير عظيم لم يبن مثلها في شيء من البلاد‏.‏

ومن خواص الروم أن الإبل لا تتولد بها وإذا حملت إليها تسوء حالها وتتلف‏.‏

بها جبل أولستان‏.‏

في وسط هذا الجبل شبه درب فيه دوران من اجتاز فيه وفي حال اجتيازه يأكل الخبز بالجبن ويدخل من أوله ويخرج من آخره لا يضره عضة الكلب الكلب وإن عض إنساناً غيره فعبر من بين رجلي المجتاز يأمن أيضاً غائلته‏.‏

وهذا حديث مشهور بالروم‏.‏

وبها عين النار بين أقشهر وانطاكية إذا غمست فيه قصبة احترقت‏.‏

حدثني من شاهدها أنه قد ذكر للسلطان علاء الدين كيخسرو عند اجتيازه بها فوقف عليها وأمر بتجربتها فكان الأمر كما قالوا‏.‏

 رندة

مدينة حصينة بأرض الأندلس من أعمال تاكرنا قديماً‏.‏استجلب إليها المياه من ناحية المشرق وناحية المغرب فتوافي المياه داخلها‏.‏

بها نهر رندة وهو نهر يتوارى في غار لا يرى جريه أميالاً ثم يخرج إلى وجه الأرض ويجري‏.‏

وبها نهر البرادة وهو نهر يجري في أول الربيع إلى آخر الصيف فإذا دخل الخريف يبس إلى أول الربيع من القابل وهو على فرسخين من رندة‏.‏

 روين دز

قلعة في غاية الحصانة على ثلاثة فراسخ من المراغة في فضاء من الأرض‏.‏ضرب بحصانتها وإحكامها المثل‏.‏

وهي بين رياض على يمينها نهر وعلى يسارها نهر‏.‏

وعلى القلعة بستان يسمى عميداباذ ومصنع بئر الماء من تحتها‏.‏

وفيها عين في صخرة صماء ينبع منها ماء يسير‏.‏

وبحذاء القلعة جبل وفي ذلك الجبل عين غزيرة الماء ينزل عن الجبل ويصعد القلعة بطريق الفوارات بصنعة عجيبة ومنها شرب أهل القلعة والقلعة لغاية حصانتها في أكثر الأوقات لا يعطي صاحبها الطاعة لصاحب المراغة‏.‏

 زمخشر

قرية من قرى خوارزم‏.‏ينسب إليها العالم الفاضل أبو القاسم محمود بن عمر جار الله الزمخشري‏.‏

كان بالغاً في علم العربية وعلم البيان وله تصانيف حسنة ليس لأحد مثلها في فصاحة الألفاظ وبلاغة المعاني مع إيجاز اللفظ حتى لو أن أحداً أراد أن ينقص من كلامه حرفاً أو يزيد فيه بان الخلل‏.‏

ذهب إلى مكة وجاور بها مدة فسمي جار الله وصنف بمكة كتاب الكشاف في الحرم الشريف حتى وقع التأويل حيث وجد التنزيل وإنه كتاب في غاية الحسن لولا التعصبات الباردة على وقف الاعتزال وانه كان من أهل العلم والفضل‏.‏

هذا منه عجيب‏.‏مدينة من بلاد الأندلس على شاطيء مجمع البحرين قال محمد بن عبد الرحيم الغرناطي‏:‏ مدينة سبتة مدينة عظيمة كثيرة الأهل حصينة مبنية بالحجر وفيها خلق كثير من أهل العلم وعندها كانت الصخرة التي قال يوشع لموسى عليه السلام‏:‏ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت واتخذ سبيله في البحر عجباً‏.‏

وهو الحوت الذي أكلا نصفه والنصف الآخر أحياه الله تعالى فوثب في البحر وارتفعت المياه كالقنطرة والحوت يمشي تحتها فلهذا قال‏:‏ واتخذ سبيله في البحر عجباً‏.‏

ولها نسل في ذلك الموضع إلى الآن وهي سمكة أطول من ذراع وعرضها شبر نصفها عظام وشوك عليها غطاء رقيق يحفظ أحشاءها‏.‏

ومن رآها من ذلك الجانب يحسب انها ميتة مأكولة والنصف الآخر صحيح كما يكون السمك الصحيح والناس يتبركون بها ويهدونها إلى المحتشمين‏.‏

وأما اليهود فإنهم يشترونها ويقددونها ويهدونها إلى البلاد البعيدة‏.‏

سبرى حصار قلعة حصينة بالروم مشهورة على مرحلتين من قونية بها بيعة كمنانوس‏.‏

حدثني بعض الفقهاء من أهلها أن الدابة إذا احتبس ماؤها يطاف بها حول هذه البيعة سبعاً فينفتح ماؤها وذلك سرقسطة مدينة كبيرة من أطيب بلاد الأنلدس بقعة وأحسنها بنياناً وأكثرها ثماراً وأغزرها مياهاً‏.‏

حكى أحمد بن عمر العذري أنها لا يدخلها حنش ولا يعيش بها‏.‏

ومن أعمالها قرية يقال لها بلطش قال العذري‏:‏ بها عين يابسة العام كله فإذا كان أول ليلة من شهر اغشت انبعثت بالماء تلك الليلة ومن الغد إلى وقت الزوال فعند ذلك يبدو فيها النقصان وإلى أول الليل يجف ويبقى كذلك إلى تلك الليلة من العام القابل‏.‏

وسرقسطة بيد الإفرنج ملكوها سنة اثنتي عشرة وخمسمائة‏.‏

 سمرقند

مدينة مشهورة بما وراء النهر قصبة الصغد قالوا‏:‏ أول من أسسها كيكاوس ابن كيقباذ وليس على وجه الأرض مدينة أطيب ولا أنزه ولا أحسن من سمرقند‏.‏

عن أنس بن مالك أنه قال‏:‏ مدينة خلف نهر جيحون تدعى بسمرقند لا تقولوا لها سمرقند ولكن قولوا المدينة المحفوظة‏.‏

فقالوا‏:‏ يا أبا حمزة وما حفظها قال‏:‏ أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مدينة خلف النهر تسمى المحفوظة لها أبواب على كل باب خمسة آلاف ملك يحفظونها وخلف المدينة روضة من رياض الجنة وخارج المدينة ماء حلو عذب من شرب منه شرب من ماء الجنة ومن اغتسل به خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ومن تعبد فيها ليلة يقبل منه عبادة ستين سنة ومن صام فيها يوماً فكأنما صام الدهر ومن أطعم فيها مسكيناً لا يدخل الفقر منزله أبداً‏.‏

حكي أن شمر بن افريقيش بن أبرهة جمع جنوده خمسمائة ألف رجل وسار نحو بلاد الصين فلما وصل إلى الصغد عصى عليه أهل تلك البلاد وتحصنوا بسمرقند فأحاط بها من جميع الجهات وحاصرها فلم يظفر بها‏.‏

وسمع أن ملكها أحمق وله ابنة تدبر أمر الملك فأرسل إليها هدية عظيمة وقال‏:‏ إني إنما قدمت هذه البلاد لأتزوج بك ومعي أربعة آلاف صندوق ذهباً وفضة أدفعها إليك وأمضي إلى الصين فإن ملكت كنت امرأتي وإن هلكت فالمال لك‏!‏ فأجابته إلى ذلك فأرسل إليها أربعة آلاف صندوق فيها أربعة آلاف رجل ولسمرقند أربعة أبواب إلى كل باب ألف صندوق وجعل العلامة بينهم ضرب الجرس‏.‏

فلما دخلوا باب المدينة ضربوا الجرس فخرج الرجال وملكوا الأبواب حتى اتصل بهم جنود شمر وملكوا المدينة ونهبوها وقتلوا وهدموا فسميت شمركند فعربته العرب وقالوا‏:‏ سمرقند‏.‏

ثم سار شمر نحو الصين فمات في الطريق هو وأصحابه عطشاً‏.‏فلما هلك تبع بن أبي مالك أراد أن يأخذ بثأر جده فسار نحو الصين فلما وصل إلى سمرقند وجدها خراباً فأمر بعمارتها وردها إلى ما كانت وأحسن منها‏.‏

فلما كان زمن الإسكندر وجدها موضعاً شريفاً فبالغ في عمارتها وبنى لها سوراً محيطاً بها استدارته اثنا عشر فرسخاً فيها بساتين ومزارع وارحاء ولها اثنا عشر باباً من الباب إلى الباب فرسخ وعلى أعلى السور آزاج وأبرجة للحرب‏.‏

وإذا جزت المزارع جزت إلى الربض وفيه أبنية وأسواق‏.‏

وبها الجامع والقهندز ومسكن السلطان‏.‏

وفي المدينة الداخلة نهر من رصاص يجري على مسناة عالية من حجر ويدخل المدينة من باب كش وأكثر دروبها ودورها فيها الماء الجاري ولا تخلو دار من بستان حتى لو صعدت قهندزها لا ترى أبنية المدينة لاستتارها بالبساتين والأشجار‏.‏

وأما داخل سور المدينة الكبيرة ففيه أودية وأنهار وعيون وجبال‏.‏

وبسمرقند أشياء ظريفة تنقل إلى سائر البلاد‏:‏ منها الكاغد السمرقندي الذي لا يوجد مثله إلا بالصين وحكى صاحب الممالك والمسالك انه دفع من الصين إلى سمرقند سبي وكان فيهم من يعرف صنعة الكاغد فاتخذها ثم كثرت حتى صارت متجراً لأهل سمرقند فمنها تحمل إلى سائر البلاد‏.‏

بها جبل قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ في هذا الجبل غار يتقاطر منه الماء في الصيف ينعقد من ينسب إليها الإمام الفاضل البارع ركن الدين العميدي أعجوبة الزمان انتشر صيته في الآفاق وفاق كل مناظر بالطبع السليم والذهن المستقيم‏.‏

قال أستاذنا أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري‏:‏ ما رأيت مناظراً مثل العميدي في فصاحة الكلام وبلاغة المعاني وحسن التقرير وتنقيح البيان‏!‏ وحكي أن زين الدين عبد الرحمن الكشي وكان من فحول العلماء استدل في محفل وكان العميدي حاضراً فصب عليه من الملازمات حتى بهره فقال الكشي‏:‏ قل واحداً واحداً واسمع جوابه‏!‏ فلما شرع الكشي في الجواب كان العميدي يزيد على الجواب أيضاً‏.‏

فلما أظهر القدرة خلاه حتى تممه‏.‏

وإذا حضر العميدي مدينة حضر جميع الفقهاء عنده واغتنموا حضوره وقرأوا تصانيفه وعزم الذهاب إلى بلاد العراق فقالوا للسلطان‏:‏ إن هذا رجل عديم المثل زينة لهذه البلاد فمنعه من مفارقة تلك البلاد‏.‏

فلما وصل إلى نيسابور قالوا له‏:‏ إن كان لك التماس من السلطان فالتمس ولا تخرج عن مملكته‏.‏

وحكي أنه كان يباحث أحداً فنقل نقلاً فأنكر المباحث ذلك النقل فقام ودخل البيت حتى يأتي بالكتاب الذي فيه النقل فأبطأ الخروج فدخلوا عليه فإذا هو مفارق‏.‏

وكان ذلك قريباً من سنة عشر وستمائة‏.‏مدينة بأرض الروم مشهورة خصينة كثيرة الأهل والخيرات والثمرات‏.‏

أهلها مسلمون ونصارى والمسلمون تركمان وعوام طلاب الدنيا وأصحاب التجارات وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة وأسباب الفسق والبطالة عندهم ظاهرة‏.‏

وحكى بعض الغرباء قال‏:‏ دخلت سيواس فسألت عن مسجد آوي إليه فدلوني على بعضها فدخلته فإذا فيه دنان فيها خمور فحولقت وأردت أن أريقها فقلت‏:‏ أنا رجل غريب هذا على يد المحتسب أولى‏.‏

فسألت عن دار المحتسب وسألت عنه قالوا‏:‏ إنه سكران نائم‏!‏ فعجبت من هذا أيضاً أن المحتسب يكون سكران فصبرت حتى استيقظ وقلت له ما رأيت في المسجد فقال‏:‏ هذا مسجد لا وقف له وأثر فيه الخراب فأكريناه من بعض الخمارين وأخذنا الأجرة سلفاً وعمرنا المسجد بها‏!‏ فقلت‏:‏ ما أنت رجل مسلم قال‏:‏ بلى‏.‏

قلت له‏:‏ اراقة الخمر واجب عليك فكيف تركت الواجب فقال‏:‏ يا هذا أريق خمور النصارى حتى يضمنوني قيمتها قلت‏:‏ قالوا لي انك سكران نائم فكيف يكون المحتسب سكران فقال‏:‏ إن القوم لقلة ديانتهم يمزجون الماء بالنبيذ ويبيعونه وأنا أذوق منه وأزجر من يفعل ذلك‏.‏

وحكي أن بسيواس وقفاً على علف الطيور شتاء وذلك عند وقوع الثلج عم جميع وجه الأرض فعند ذلك ينتقل صغار الطيور من الصحراء إلى العمران فتشترى الحبوب بحاصل شاش ناحية من وراء نهر سيحون متاخمة لبلاد الترك‏.‏

كانت أكبر ثغر في وجه الترك وكانت من أنزه بلاد الله وأكثرها خيراً‏.‏

وكانت عامة دورهم يجري فيها الماء وكلها مستترة بالضرة فخربت في زمن السلطان محمد خوارزمشاه بسبب اختلاف عساكره وعساكر خطا فقتل ملوكها وجلا أهلها عنها لعجزه عن ضبطها فبقيت تلك الديار والأنهار والأشجار والأزهار خاوية على عروشها وذلك قبل ورود التتر‏.‏

ينسب إليها أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي‏.‏

كان عالماً فقيهاً ذا تصانيف كثيرة‏.‏

درس على أبي العباس بن سريج وهو الذي أنشأ علم المناظرة وأظهر مذهب الشافعي ببلاد ما وراء النهر‏.‏

وكان أول أمره قفالاً عمل قفلاً وزنه دانق مع الفراشة والمفتاح فتعجب الناس من حذقه‏.‏

واختار مذهب الشافعي وعاد إلى ما وراء النهر وانتشر فقه الشافعي بما وراء النهر مع غلبة الحنفية هناك‏.‏

وكان علامة في التفسير والفقه والأدب والجدل والأصول‏.‏

وبها جبل اسبرة قال الاصطخري‏:‏ هي جبال يخرج منها النفط وانها معدن الفيروزج والحديد والصفر والانك والذهب‏.‏

ومنها جبل حجارته سود يحترق مثل الفحم يباع منه وقر أو وقران بدرهم فإذا احترق اشتد بياض رماده فيستعمل في تبييض الثياب ولا يعرف مثله في شيء من البلاد وفي الطبيعة عجائب لا يعلم سرها إلا الله‏.‏